Saturday, November 1, 2008

ليت البابا ما تكلم في برنامج اتكلم

فهمي هويدي
الذين يقدرون البابا شنودة ويعتزون ببعض مواقفه الوطنية، تصيبهم بعض تصريحاته بالحيرة، فتلجم ألسنتهم وتكاد تجمد مشاعرهم الدافئة نحوه، وبعض ما قاله يوم الإثنين الماضي 27/10 علي شاشة التليفزيون المصري «في برنامج اتكلم الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي» يعد نموذجاً لتلك التصريحات، إذ حين سئل عن رأيه في محاضرة الأنبا توماس ـ أسقف القوصية وعضو المجمع المقدس ـ التي ألقاها في معهد هيودسون بالولايات المتحدة «المرتبط بالمحافظين الجدد وإسرائيل»، فإنه تحدث باقتضاب مثيراً ثلاث نقاط، هي: أن المحاضرة تاريخية، وتتحدث عن تاريخ المسيحيين في مصر منذ عهد الفراعنة وأنه لم يقرأها جيداً «كلمة كلمة» وأن كاتبا من بلدة الأسقف يحرض المسلمين عليه بسببها.لم أصدق ما سمعته من البابا شنودة لأول وهلة: فكذبت أذني واتصلت ببعض من أعرف هاتفيا للتأكد من حقيقة ما قاله، فتلقيت ردوداً شاركتني الحيرة والدهشة، وأكدت أن الكلام صدر فعلاً عن البابا، ولأن كثيرين ربما نسوا تفاصيل المحاضرة التي ألقاها الأنباء توماس في شهر يوليو الماضي، أجدني مضطراً إلي تلخيصها لتبيان خطورة الأفكار والآراء التي تضمنتها، ليس فقط علي نسيج الجماعة الوطنية المصرية، ولكن أيضاً علي تاريخ الكنيسة الأرثوذوكسية الوطني والمشرف، وكنت قد أشرت إلي مضمون تلك المحاضرة في هذه الزاوية «يوم 22 يوليو» في تعليق كان عنوانه: «طعنة للجماعة الوطنية»، تساءلت في ختامه عن موقف عقلاء المثقفين الأقباط منها، وعبرت عن دهشتي إزاء سكوتهم عما جاء فيها.لقد اعتبر الأنبا توماس أن أكبر معضلتين تواجهان المجتمع المسيحي في مصر هما التعريب والأسلمة، وقال إن القبطي يشعر بالإهانة إذا قيل له إنه عربي، كما أن الأقباط يشعرون بالخيانة من جانب إخوانهم في الوطن «يقصد المسلمين» بعدما أهانوا ثقافتهم وسرقوا فنونهم وزوروا تاريخ مصر، وأن الأقباط يترقبون اليوم الذي تعود فيه البلد إلي جذورها القبطية. مما قاله الأنبا توماس أيضاً أن الأقباط يتعرضون للاعتداء والاضطهاد في مصر، وأن من حقهم الدفاع عن أنفسهم، الأمر الذي يسوغ لهم طلب التدخل الأمريكي لحمايتهم.. إلخ!!هذا الكلام الخطير الذي ينسف أسس التعايش حين ينقل عن أسقف القوصية، فإن أول ما يتوقعه المواطن العادي أن يتم التحقق من صدوره عن الرجل، من خلال الرجوع إلي نص المحاضرة وتسجيلاتها، وإذا ثبتت صحة الكلام المنقول فلا أقل من أن يساءل الرجل ـ كنسياً علي الأقل ـ ويطالب بإيضاح موقفه، ومن واجب الكنيسة أن تحدد موقفها بدورها مما ثبت صدوره عن عضو مجمعها المقدس، إساءة منه للبلد بأسره وللكنيسة بوجه أخص، وحين لا يحدث شيء من ذلك، فلابد أن يصاب المرء بالدهشة، أما حين يصف البابا هذا الكلام بأنه «تاريخ» فإن ذلك لا يحيرنا فقط، وإنما يصدمنا أيضاً، وتتضاعف الدهشة حين نسمع من البابا أنه لم يقرأ محاضرة الأنبا توماس كلمة كلمة، في حين أنه كان يتابع أثناء مرضه في أمريكا تفصيلات ما جري ببني سويف بين العرب ورهبان دير أبوفانا، كما أننا لابد أن نستغرب من أنه من بين حوالي مائة تعليق نشرتها الصحف المصرية خلال الصيف علي محاضرة الأنبا توماس، فإنه غمز في واحد واختصه بالذكر، حين قال إن كاتباً من بلدة الأسقف يحرض المسلمين عليه، ولأن بلدة الأسقف هي القوصية، فإن الكاتب القبطي المعروف الوحيد فيها هو جمال أسعد، وقد كان أحد المائة الذين انتقدوا الأسقف، من منطلق وطني وعروبي صرف، وكان كلامه دفاعاً عن وحدة الجماعة الوطنية وتعزيزاً للتعايش بين المسلمين والأقباط، وليس تحريض المسلمين علي القمص، في حين تبدو إشارة البابا وكأنها تحريض للأقباط علي الرجل المعروف بنزاهة مواقفه الوطنية، ناهيك عن أن الغضب والاستفزاز من كلام الأنبا توماس لا يحتاج إلي تحريض من أحد.إن مقام البابا واحترامنا له يمنعاننا من الذهاب إلي أبعد في التعبير عن الاستياء مما صدر عنه في برنامج «اتكلم» ـ ليته ما تكلم!

No comments: