Monday, November 9, 2009

هذا عتاب الحب للأحباب.... لفاروق جويدة

شعر: فاروق جويدة -


«تساءلوا: كيف تقول: هذى بلاد لم تعد كبلادى؟!
فأجبت: هذا عتاب الحب للأحباب»
لا تغْضَبـِى من ثـَوْرَتِى.. وعتــابـــى
مازالَ حُّبــــكِ محنتى وعــــــــذابى
مازالتِ فى العين الحزينــــةِ قبلـــــة
ً للعاشقين بسحْـــركِ الخَـــــــــــلاَّبِ
أحببتُ فيكِ العمرَ طفــــلا ً باسمــــًا
جاءَ الحيــاة َ بأطهـر الأثـــــــــوابِ
أحببتُ فيكِ الليلَ حيــــن يضمنـــــــا
دفءُ القلــوبِ.. ورفـْقــَة ُ الأصحابِ
أحببتُ فيـكِ الأم تـَسْكـــُنُ طفلهَــــــا
مهما نأى.. تلقــاهُ بالتــَّـــرْحَـــــابِ
أحببتُ فيكِ الشمسَ تغسلُ شَعْــــرها
عنـدَ الغروبِ بدمعها المُنـْسَــــــابِ
أحببتُ فيكِ النيلَ يجــرى صَاخبــــًا
فـَيَهيمُ رَوْضٌ..فى عنــــَـاق ِ رَوَابِ
أحببتُ فيكِ شموخَ نهــر جامـــــــح ٍ
كم كان يُسكرنــى بــغيـر شَــــرَابِ
أحببتُ فيكِ النيلَ يسْجُــد خاشعِــــــا
لله ربــــًّــــا دون أى حســــــــابِ
أحببتُ فيكِ صلاة َ شعــبٍ مُؤْمــــن
رسمَ الوجـودَ على هُدَى مِحْـــرَابِ
أحببتُ فيكِ زمانَ مجـــدٍ غَابـــــــــر
ٍ ضيَّـعتــِـهِ سفهـــــًا على الأذنـــَـابِ
أحببتُ فِى الشرفـــاء عهدًا باقيــــــًا
وكرهـتُ كلَّ مُقـــــامر ٍ كـــــــذابِ
إِنى أحبــــكِ رغــــــم أَنى عاشــــقٌ
سَئِم الطوافَ.. وضـاق بالأعْـتـابِ
كم طاف قلبى فى رحابـــِـكِ خاشعًا
لم تعرفى الأنـْقـى.. من النـصـــَّابِ
أسرفتُ فى حبــــى.. وأنت بخيلـــــة
ٌ ضيعتِ عمرى.. واسْتـَبَحْتِ شَبَابى
شاخت على عينيكِ أحلامُ الصبـــــا
وتناثرت دمعـــا على الأهــــــــدابِ
من كان أولـَى بالوفاء ؟!.. عصابة َُ
نهبتكِ بالتدليـــــس.. والإرهـــــابِ ؟
أم قلبُ طفـل ذاب فيــــك صبابـــــة
ً ورميتهِ لحمًـــا على الأبــــــــوابِ ؟!
عمر من الأحزان يمـرح بيننــــــــا.
. شبحُ يطوف بوجهـــهِ المُرْتــــــــَابِ
لا النيلُ نيلـُكِ.. لا الضفافُ ضفافهُ
حتى نخيلـُك تاهَ فى الأعشـــــــابِ
! باعُوكِ فى صخبِ المزادِ.. ولم أجد
فى صدركِ المهجور غيرَ عـــذابى
قد روَّضُوا النهرَ المكابـِرَ فانحنــــــَى
للغاصبيـــــــن.. وَلاذ بالأغْــــرَابِ
كم جئتُ يحملنى حَنِينٌ جــــــــــارفٌ
فأراكِ.. والجلادُ خلـفَ البَــــــــابِ
تـَتـَرَاقـَصين علـَى الموائـــــد فرحة
ً ودَمِى المراقُ يسيل فى الأنخــــابِ
وأراكِ فى صخب المزاد وليمــــــة
ً يلهو بها الأفـَّاقُ.. والمُتصـــــــابى
قد كنتُ أولى بالحنان ِ.. ولم أجـــــدْ
فى ليلِ صدرك غيرَ ضـوءٍ خــابِ
فى قِمة الهَرَم ِ الحزين ِ عصابـــــة
ٌ ما بين سيفٍ عاجز ٍ.. ومُـــــــرَابِ
يتعَبَّدُون لكــــل نجــــــــم ٍ سَاطِــــع ٍ
فإذا هَوَى صاحُوا: «نذيرَ خَرَابِ»
هرمُ بلون ِالموت ِ.. نيلٌ ساكــــــنٌ
أسْدٌ محنطـــــــــــة ٌبلا أنـْيَــــــــابِ
سافرتُ عنكِ وفى الجوانح وحشــــة ٌ
فالحزنُ كأسِى.. والحَنِينُ شَــرَابى
صوتُ البلابـِل ِغابَ عن أوكــــــاره
لم تعبئى بتشــــــردى.. وغيــــابى
كلُّ الرفاق رأيتـُهـــم فى غربتـــــــى
أطلالَ حُلم.. فى تـِلال ِ تـــــُرَابِ
قد هاجروا حُزْنـًا.. وماتوا لوعـــــة
ً بين الحنين ِ.. وفـُرقةِ الأصحــابِ
بيني وبينك ألف ميل بينما.
أحضانـُك الخضراءُ للأغْــــرَابِ!
تبنين للسفهــــــــاء عشـًّـــــا هادئـــــا
وأنا أموتُ على صقيع شبابــــى !
فى عتمةِ الليل ِ الطويـــل ِ يشــــــدنى
قلبى إليكِ.. أحِنُّ رغم عــــــذابى
أهفو إليك.. وفى عُيُونِكِ أحتمـــــــى
من سجن طاغيةٍ وقصفِ رقــابِ
* * * هل كان عدلا ً أن حبَّـكِ قاتـــلـــــــى
كيف استبحتِ القتلَ للأحبــــــابِ؟!
ما بين جلادٍ.. وذئــــــــــب حاقــــــدٍ
وعصابةٍ نهبتْ بغير ِ حســــــــابِ
وقوافلٍ للبُؤس ِ ترتـــــــــعُ حولنــــــا
وأنين ِ طفلٍ غاص فى أعصــابى
وحكايةٍ عن قلبِ شيــخ عاجــــــــــٍز
د قد مات مصلوبًا على المحـــــرابِ
قد كان يصرخ: «لى إلـــــهٌ واحــدٌ
هو خالق الدنيـا.. وأعلـــمُ ما بى»
ياربِّ سطـَّرت الخلائـــقَ كلهَّـــــــا
وبكل سطـر ٍ أمــــــة ٌ بكتــــــــابِ
الجالسونَ على العروش توحَّشُــوا
ولكل طاغيـةٍ قطيــــــــعُ ذئـــــابِ
قــد قلـــــــتُ:إن الله ربٌّ واحـــــدٌ
صاحوا:»ونحن» كفرتَ بالأرْبَابِ؟
قد مزَّقوا جسدى.. وداسُوا أعظـُمى
ورأيتُ أشلائى على الأبــــــــوابِ
* * * ماعدتُ أعرفُ أيْنَ تهدأ رحلـتـــى
وبأى أرض ٍ تستريـــح ركـــــَابى
غابت وجوهٌ.. كيفَ أخفتْ سرَّها ؟
هرَبَ السؤالُ.. وعز فيه جوابى
لو أن طيفـَا عاد بعـــد غيــــابــــه
لأرى حقيقة رحلتــــــى ومآبـــــى
لكنه طيفٌ بعيــــــدٌ.. غامـــــضٌ
يأتى إلينــــــا من وراء حجـــــــابِ
رحل الربيعُ.. وسافرت أطيــــارُه
ما عاد يُجدى فى الخريفِ عتــابى
فى آخر المشوار تبدُو صورتـــى
وسْط َ الذئاب بمحنتى وعــــــذابى
ويطل وجهُك خلفَ أمواج ِ الأسى
شمسًا تـُلـَوِّحُ فى وداع ِ سحــــــابِ
هذا زمانٌ خاننى فى غفـــــلــــــةٍ منى
.. وأدْمى بالجحــودِ شبـــــابى
شيَّعتُ أوهامـــى.. وقلتُ لـَعَلـَّنـى
يوما أعودُ لحكمــتـى وصـــــــوابى
كيف ارْتضـــيتُ ضلالَ عَهْدٍ فاجر
وفسادَ طاغيةٍ.. وغـــــــدرَ كِلابِ؟!
ما بين أحـــــلام ٍ تـَوارى سحْــرُها
وبريق ِ عُمر صارَ طيـــفَ سَرَابِ
شاختْ ليالى العُمر منـــى فجـــــأة ً
فى زيف حلم ٍ خــادع كـــــــــذابِ
لم يبق غيرُ الفقر يسْتـُر عَوْرَتـــــى
والفقرُ ملعونٌ بكـــل كِتــــــــــــــابِ
سِربُ النخيل ِعلى الشواطئ ينـْحَنى
وتسيلُ فى فــزع ٍ دِمـــــــاءُ رقاب ِ
ما كان ظنى أن تكونَ نهايتــــــــــى
فى آخر المشـــوار ِ دَمْعَ عتــــــابِ!
ويضيعُ عمرى فى دروبَ مدينتـــى
ما بين نار القهر ِ.. والإرْهـــــابِ
ويكون آخرَ ما يُطلُّ على المــــدى
شعبٌ يُهــــرْولُ فى سوادِ نقـــــابِ
وطنٌ بعَرض ِالكون ِيبـــــدو لعبـــة ً
للوارثين العرشَ بالأنســـــــــــابِ
قـَتـْــــــلاكِ يـــا أمَّ البلادِ تفرقـُــــــوا
وتشردُوا شِيَعًا على الأبْــــــــــوَابِ
رَسَمُوكِ حُلما..ثم ماتـوا وَحشـــــة ً
ما بين ظـُلـْم ِ الأهل ِ.. والأصْحَابِ
لا تخجلى ِ إن جئتُ بابَكِ عاريـــــًا
ورأيتِنى شَبَحــــًا بغيــــــر ثيــــــابِ
يَخْبُو ضياءُ الشمس ِ.. يَصغُر بيننا
ويصيرُ فى عَيْنى.. كعُودِ ثقـــــــــابِ
والريحُ تزأرُ.. والنجومُ شحيحـــــة
ٌ وأنا وراءَ الأفق ِ ضوءُ شهــــــــابِ
غضبٌ بلون العشق ِ.. سخـط ٌ يائسٌ
ونزيفُ عمر ٍ.. فى سُطـُور كتـابِ
رغْمَ انطفاءِ الحُلِم بين عيـــــــــــوننا
سيعودُ فجرُكِ بعدَ طول غيـــــــابِ
فـَلـْترحمى ضعْفِى .. وقلـَّة َ حِيلتــى
هذا عِتابُ الحُبِّ.. للأَحْبـــــــــــابِ

Monday, January 12, 2009

في وداع بوش

أصدر الشاعر الكبير فاروق جويدة قصيدة فى وداع بوش هذا نصها
:
كل الذى أخفيته يبدو عليكْ
فاخلع ثيابك وارتحلْ
اعتدتَ أن تمضى أمامَ الناسِ يوماً عاريا
فارحل وعارُكَ فى يديكْ
لا تنتظر طفلاً يتيماً بابتسامته البريئة
أنْ يقبِّلَ وجنتيكْ
لا تنتظر عصفورةً بيضاءَ تغفو فى ثيابكَ
ربما سكنتْ إليكْ
لا تنتظر أُمّاً تطاردها دموعُ الراحلين
َلعلها تبكى عليكْ
لا تنتظر صفحاً جميلاً
فالدماءُ السودُ مازالت تلوث راحتيكْ
وعلى يديكَ دماءُ شعبٍ آمنٍ
مهما توارتْ لن يفارق مقلتيكْ
كل الصغار الضائعين
على بحارِ الدم فى بغدادَ صاروا.
.وشمَ عارٍ فى جبينكَ
كلما أخفيتَه يبدو عليكْ
كل الشواهد فوقَ غزةَ والجليلَ
الآن تحمل سخطَها الدامى
وتلعنُ والديكْ
ماذا تبقى من حشود الموت
ِفى بغدادَ.. قلْ لى
لم يعد شىء لديكْ
هذى نهايتك الحزينة
بين أطلال الخرائبِ
والدمارُ يلف غزةَ
والليالى السودُ.. شاهدةً عليكْ
فارحل وعاركَ فى يديكْ
الآن ترحل غير مأسوفٍ عليكْ
..■ ■ ■
ارحل وعارُكَ فى يديكْ
انظرْ إلى صمتِ المساجدِ
والمنابر تشتكى
ويصيحُ فى أرجائها شبحُ الدمار
ْانظرْ إلى بغدادَ تنعى أهلها
ويطوفُ فيها الموتُ من دارٍ لدار
ْالآن ترحلُ عن ثرى بغدادَ
خلفَ جنودك القتلى
وعارك أى عارْ
مهما اعتذرتَ أمامَ شعبك
َلن يفيدكَ الاعتذارْ
ولمن يكونُ الاعتذارْ؟
للأرضِ.. للطرقاتِ.. للأحياءِ..للموتى..
وللمدنِ العتيقةِ.. للصغارْ؟
!ولمن يكونُ الاعتذارْ؟
لمواكب التاريخ.. للأرض الحزينة
ِللشواطئِ.. للقفارْ؟
!لعيونِ طفلٍ
مات فى عينيه ضوءُ الصبحِ
واختنقَ النهارْ؟
!لدموعِ أمٍّ
لم تزل تبكى وحيداً
صارَ طيفاً ساكناً فوق الجدارْ؟
!لمواكبٍ غابت
وأضناها مع الأيام طول الانتظارْ؟
!لمن يكون الاعتذار؟
لأماكنٍ تبكى على أطلالها
ومدائن صارت بقايا من غبارْ؟
!للّهِ حين تنام
فى قبر وحيداً.. والجحيمُ تلال نارْ؟!!
■ ■ ■
ارحل وعارك فى يديكْ
لا شىء يبكى فى رحيلك.
.رغم أن الناس تبكى عادة
عند الرحيلْ
لا شىء يبدو فى وداعك
لا غناءَ.. ولا دموعَ.. ولا صهيلْ
مالى أرى الأشجار صامتةً
وأضواءَ الشوارعِ أغلقتْ أحداقها
واستسلمتْ لليلِ.. والصمتِ الطويلْ
مالى أرى الأنفاسَ خافتةً
ووجهَ الصبح مكتئباً
وأحلاماً بلون الموتِ
تركضُ خلفَ وهمٍ مستحيلْ
اسمعْ جنودكَ
فى ثرى بغدادَ ينتحبون فى هلعٍ
فهذا قاتلٌ.. ينعى القتيلْ.
.جثث الجنودِ على المفارقِ
بين مأجورٍ يعربدُ
أو مُصاب يدفنُ العلمَ الذليل
ماذا تركتَ الآن فى بغدادَ من ذكرى
على وجه الجداولِ
..غير دمع كلما اختنقتْ يسيلْ
صمتُ الشواطئ.. وحشةُ المدن الحزينةِ.
.بؤسُ أطفالٍ صغارٍ
أمهات فى الثرى الدامى
صراخٌ.. أو عويلْ..
طفلٌ يفتش فى ظلام الليلِ
عن بيتٍ توارى
يسأل الأطلالَ فى فزعٍ
ولا يجدُ الدليلْ
سربُ النخيل على ضفافِ النهر يصرخ
هل تُرى شاهدتَ يوماً
..غضبةَ الشطآنِ من قهرِ النخيلْ؟!
الآن ترحلُ عن ثرى بغداد
َتحمل عارك المسكون
َبالنصر المزيفِ
حلمَكَ الواهى الهزيلْ.
.■ ■ ■.■ ■ ■
ارحلْ وعارُكَ فى يديكْ
هذى سفينَتك الكئيبةُ
فى سوادِ الليل ترحلُ
لا أمانَ.. ولا شراعْ
تمضى وحيداً فى خريف العمرِ
لا عرشٌ لديكَ.. ولا متاعْ
لا أهلَ.. لا أحبابَ.. لا أصحابَ
لا سنداً.. ولا أتباعْ
كلُّ العصابةِ فارقتكَ إلى الجحيمِ
وأنت تنتظرُ النهايةَ.
.بعد أن سقط القناعْ
الكونُ فى عينيكَ كان مواكباً للشرِّ
..والدنيا قطيعٌ من رعاعْ
الأفق يهربُ والسفينةُ تختفى
بين العواصفِ.. والقلاعْ
هذا ضميرُ الكون يصرخُ
والشموعُ السودُ تلهثُ
خلفَ قافلةِ الوداعْ
والدهر يروى قصةَ السلطان
ِيكذبُ.. ثم يكذبُ.. ثم يكذب
ُثم يحترفُ التنطُّعَ..
والبلادةَ والخداعْ
هذا مصيرُ الحاكمِ الكذابِ
موتٌ.. أو سقوطٌ.. أو ضياعْ
■ ■ ■
ما عاد يُجِدى
..أن تُعيدَ عقاربَ الساعاتِ.
.يوماً للوراء
ْأو تطلبَ الصفحَ الجميلَ.
.وأنت تُخفى من حياتكَ صفحةً سوداءْ
هذا كتابك فى يديك
َفكيف تحلم أن ترى..
عند النهايةِ صفحةً بيضاء
ْالأمسُ ماتَ.
.ولن تعيدَك للهدايةِ توبةٌ عرجاءْ
وإذا اغتسلتَ من الذنوب
ِفكيف تنجو من دماء الأبرياءْ
وإذا برئتَ من الدماءِ.
.فلن تُبَرئَكَ السماءْ
لو سالَ دمعك ألفَ عام
ٍلن يطهرَكَ البكاءْ
كل الذى فى الأرض
ِيلعنُ وجهكَ المرسومَ
من فزعِ الصغارِ وصرخة الشهداء
ْأخطأتَ حين ظننتَ يوما
ًأن فى التاريخ أمجادا
ًلبعضِ الأغبياءْ
..■ ■ ■
ارحلْ وعاركَ فى يديكْ
وجهٌ كئيبٌ
وجهك المنقوشُ
فوق شواهدِ الموتى
وسكان القبور
ْأشلاءُ غزةَ
والدمارُ سفينةٌ سوداءُ
تقتحمُ المفارقَ والجسور
ْانظر إلى الأطفال يرتعدون
فى صخب الليالى السود.
.والحقدُ الدفينُ على الوجوهِ
زئيرُ بركانٍ يثورْ
وجهٌ قبيحٌ وجهك المرصودُ
من عبثِ الضلالِ وأوصياءِ الزورْ.
. لم يبق فى بغداد شىءٌ.
.فالرصاصُ يطل من جثثِ الشوارع
والرَّدَى شبحٌ يدورْ
حزن المساجد والمنابرِ تشتكى
صلواتُها الخرساءُ.
.من زمنِ الضلالةِ والفجورْ
■ ■ ■
ارحلْ وعاركَ فى يديكْ
ما عاد يُجدى
أن يفيقَ ضميركَ المهزومُ
أن تبدى أمامَ الناسِ شيئاً من ندمْ
فيداكَ غارقتانِ فى أنهار دمْ
شبحُ الشظايا والمدى قتلى
ووجه الكونِ أطلالٌ وطفل جائعٌ.
. من ألفِ عامٍ لم ينم
ْجثثٌ النخيل على الضفافِ
وقد تبدل حالُها
واستسلمتْ للموتِ حزناً.. والعدمْ
شطآن غزةَ كيف شردها الخرابُ
ومات فى أحشائها أحلى نغمْ
وطنٌ عريق كان أرضاً للبطولةِ.
.صار مأوىً للرممْ!
الآن يروى الهاربونَ من الجحيمِ
حكايةَ الذئبِ الذى أكل الغنمْ:
كان القطيع ينام سكراناً
من النفطِ المعتَّقِ
والعطايا.. والهدايا.. والنعمْ
منذ الأزلْ
كانوا يسمونَ العربْ
عبدوا العجولَ.. وتَوَّجوا الأصنامَ.
.واسترخت قوافلُهم.. وناموا كالقطيع
وكل قافلةٍ يزينها صنمْ
يقضون نصفَ الليلِ فى وكرِ البغايا
..يشربونَ الوهمَ فى سفحِ الهرمْ
الذئب طافَ على الشواطئ
أسكرته روائحُ الزمنِ اللقيطِ
لأمةٍ عرجاء قالوا إنها كانت
ـ وربِّ الناس ـمن خير الأممْ.
.يحكون كيف تفرعنَ الذئبُ القبيحُ
فغاصَ فى دم الفراتِ
..وهام فى نفطِ الخليج.
.وعَاثَ فيهم وانتقمْ
سجنَ الصغارَ مع الكبارِ.
.وطاردَ الأحياءَ والموتَى
وأفتى الناسَ زوراً فى الحرمْ
قد أفسدَ الذئبُ اللئيمُ
طبائعَ الأيام فينا.. والذممْ
الأمةُ الخرساءُ تركع دائماً
للغاصبين.. لكل أفاق حكمْ
لم يبق شىء للقطيعِ
سوى الضلالة.. والكآبةِ.. والسأمْ
أطفالُ غزةَ يرسمونَ علىثراها
ألفَ وجهٍ للرحيلِ.
.وألفَ وجهٍ للألمْ
الموتُ حاصرهم فناموا فى القبورِ
وعانقوا أشلاءهم
لكن صوتَ الحقِ فيهم لم ينمْ
يحكون عن ذئبٍ حقيرٍ
أطلقَ الفئرانَ ليلاً فى المدينةِ
ثم أسكره الدمارُ
مضى سعيداً.. وابتسمْ.
.فى صمتها تنعى المدينةُ
أمةً غرقتْ مع الطوفانِ
واسترختْ سنيناً فى العدمْ
يحكون عن زمنِ النطاعةِ
عن خيولٍ خانها الفرسانُ
عن وطنٍ تآكل وانهزمْ
والراكعون على الكراسى
يضحكون مع النهاية.
.لا ضميرَ.. ولا حياءَ.. ولا ندمْ
الذئب يجلسُ خلف قلعته المهيبةِ
يجمع الحراسَ فيها.. والخدمْ
ويطلُ من عينيه ضوءٌ شاحبٌ
ويرى الفضاء مشانقاً
سوداءَ تصفعُ كل جلادٍ ظلمْ
والأمةُ الخرساءُ
تروى قصةَ الذئبِ الذى
خدعَ القطيعَ.
.ومارسَ الفحشاءَ.. واغتصبَ الغنمْ
■ ■ ■
ارحلْ وعاركَ فى يديكْ
مازلت تنتظر الجنود العائدينَ
..بلا وجوه.. أو ملامحْ
صاروا على وجه الزمانٍ
خريطةً صماءَ تروى.
.ما ارتكبتَ من المآسى.. والمذابح
قد كنت تحلمُ أن تصافحهم
ولكن الشواهدَ والمقابرَ لا تصافِحْ
إن كنتَ ترجو العفو منهم
كيف للأشلاءِ يوماً أن تسامحْ
بين القبورِ تطل أسماءٌ.
.وتسرى صرخةٌ خرساءُ
نامت فى الجوانحْ
فرقٌ كبيرٌ.
.بين سلطانٍ يتوِّجُه الجلالُ
وبين سفاح تطارده الفضائحْ
■ ■ ■
الآن ترحل غيرَ مأسوفٍ عليكْ
فى موكبِ التاريخِ
سوفِ يطلُ وجهك
بين تجارِ الدمارِ وعصبةِ الطغيانْ
ارحل وسافرْ.
.فى كهوفِ الصمتِ والنسيانْ
فالأرضُ تنزع من ثراها
كلَّ سلطان تجبر.. كلَّ وغْدٍ خانْ
الآن تسكر.. والنبيذ الأسود الملعونُ
من دمع الضحايا.. من دم الأكفان
ْسيطل وجهك دائماً
فى ساحةِ الموتِ الجبانْ
وترى النهايةَ رحلةً سوداءَ
سطرها جنونُ الحقدِ.. والعدوانْ
فى كل عصر سوف تبدو قصةً
مجهولةَ العنوانْ
فى كل عهدٍ سوف تبدو صورةً
للزيفِ.. والتضليلِ.. والبهتانْ
فى كل عصرٍ سوف يبدو
وجهك الموصومُ بالكذبِ الرخيص
فكيف ترجو العفو والغفرانْ
قُلْ لى بربكَ
..كيف تنجو الآن من هذا الهوانْ؟
!ما أسوأَ الإنسانَ.
.حين يبيع سرَّ اللّه للشيطانْ
■ ■ ■
ارحلْ وعاركَ فى يديكْ
فى قصرك الريفى.
.سوف يزورك القتلى بلا استئذانْ
وترى الجنودَ الراحلين
َشريط أحزانٍ على الجدران
ْيتدفقونَ من النوافذِ.. من حقولِ الموتِ
أفواجاً على الميدانْ
يتسللونَ من الحدائقِ.. والفنادقِ
من جُحُورِ الأرضِ كالطوفان
ْوترى بقاياهمْ بكل مكانْ
ستدور وحدك فى جنونٍ
تسألُ الناسَ الأمانْ
أين المفر وكل ما فى الأرضِ حولكَ
يُعلن العصيانْ؟!
الناسُ.. والطرقاتُ.. والشهداءُ والقتلى
عويلُ البحر والشطآن
ْوالآن لا جيشٌ.. ولا بطشٌ.. ولا سلطانْ
وتعود تسأل عن رجالك: أين راحوا؟
كيف فر الأهلُ.. والأصحابُ.. والجيرانْ؟
يرتد صوتُ الموت يجتاح المدينَة
َلم يَعُدْ أحدٌ من الأعوانْ
هربوا جميعاً.
.بعد أن سرقوا المزادَ.. وكان ما قد كانْ
!ستُطِلُّ خلف الأفق قافلةٌ من الأحزانْ
حشدُ الجنودِ العائدينَ
على جناحِ الموتِ
أسماءً بلا عنوانْ
صور الضحايا والدماءُ السودُ
..تنزف من مآقيهم بكل مكانْ
أطلالُ بغدادَ الحزينةِ
صرخةُ امرأةٍ تقاومُ خسةَ السجانْ
صوتُ الشهيدِ على روابى القدسِ.
.يقرأ سورةَ الرحمنْ
وعلى امتدادِ الأفقِ
مئذنةُ بلونِ الفجر
ِفى شوقٍ تعانق مريم العذراء
َيرتفع الأذانْ
الوافدونَ أمامَ بيتكَ
يرفعون رؤوسهم
وتُطل أيديهم من الأكفانْ
مازلتَ تسأل عن ديانتهم
وأين الشيخُ.. والقديسُ.. والرهبانْ؟
هذى أياديهم تصافحُ بعضَها
وتعود ترفُع رايةَ العصيان
ْيتظاهرُ العربى.. والغربى
والقبطى والبوذى
ضد مجازر الشيطانْ
حين استوى فى الأرض خلقُ اللّه
كان العدل صوتَ اللّه فى الأديان
فتوحدت فى كل شىء صورةُ الإيمانْ
وأضاءت الدنيا بنور الحق
فى التوراةٍ.. والإنجيلِ.. والقرآنْ
اللّه جل جلاله..
فى كل شىءكرم الإنسانْ
لا فرقَ فى لونٍ.. ولا دينٍ
ولا لغةٍ.. ولا أوطانْ
«خلق الإنسان علمه البيان»
الشمسُ والقمر البديعُ
على سماء الحب يلتقيان
ْالعدلُ والحقُ المثابر
والضميرُ.. هديً لكل زمانْ
كل الذى فى الكون يقرأ
سورةَ الإنسانْ.
.يرسم صورةَ الإنسانْ.
.فاللّه وحدنا.
. وفرق بيننا الطغيانْ
■ ■ ■
فاخلعْ ثيابكَ وارتحلْ
وارحل وعارك فى يديكْ
فالأرضُ كل الأرض ساخطةٌ عليكًْ

Saturday, January 10, 2009

بيان عسكري ... للشاعر تميم البرغوثي


بيان عسكري

قصيدة للشاعر تميم البرغوثي
إذا ارتاح الطغاة إلي الهوان
وإنجازٌ بقاءُ المرءِ حَيَّاً
وجثةِ طِفْلَةٍ بممرِّ مَشْفَيً
علي بَرْدِ البلاطِ بلا سريرٍ
كأنَّكِ قُلْتِ لي يا بنتُ شيئا
ًعن الدنيا وما فيها وعني
فَدَيْتُكِ آيةً نَزَلَتْ حَدِيثاًَ
فنادِ المانعينَ الخبزَ عنها
وَهَنِّئْهُم بِفِرْعَوْنٍ سَمِينٍ
له لا للبرايا النيلُ يجري
وَقُل لمفرِّقِ البَحرَيْنِ مهما
وإن راهنتَ أن الثأرَ يُنسي
نحاصَرُ من أخٍ أو من عدوٍّ
سَنَغْلِبُ والذي جَعَلَ المنايا
بَقِيَّةُ كُلِّ سَيْفٍ، كَثَّرَتْنا
كأن الموت قابلة عجوز
نموتُ فيكثرُ الأشرافُ فينا
كأنَّ الموتَ للأشرافِ أم
ٌّلذلك ليس يُذكَرُ في المراثي
سَنَغْلِبُ والذي رَفَعَ الضحايا
رماديِّونَ كالأنقاضِ شُعث
يَدٌ لِيَدٍ تُسَلِّمُهم فَتَبْدُو
يدٌ لِيَدٍ كَمِعراجٍ طَوِيل
ٍيَدٌ لِيَدٍ، وَتَحتَ القَصْفِ، فَاْقْرَأْ، هنالكَ ما تشاءُ من المعاني
صلاةُ جَمَاعَةٍ في شِبْرِ أَرضٍٍ
تنادي ذلك الجَمْعَ المصلِّي
فَيُمْعِنُ في تَجَاهُلِها فَتَرمِي
وَتُقْلِعُ عَنْ تَشَهُّدِ مَنْ يُصَلِّي
نقاتلهم علي عَطَشٍ وجوع
نقاتلهم وَظُلْمُ بني أبينا
نُقَاتِلُهم كَأَنَّ اليَوْمَ يَوْم
ٌبِأَيْدِينا لهذا اللَّيْلِ صُبْحٌ1
فذكرهم بأن الموتَ دانِ
علي مرِّ الدَّقائقِ والثواني
لها في العمر سبعٌ أو ثماني
وإلا تحتَ أنقاضِ المباني
عزيزاً لا يُفَسَّر باللسان
ِوعن معني المخافةِ والأمانِب
خيطِ دَمٍ عَلَي حَدَقٍ حِسَان
ِومن سَمَحُوا بِهِ بَعْدَ الأوانِ
كَثَيرِ الجيشِ مَعمورِ المغاني
له البستانُ والثَمَرُ الدَّواني
حَجَرْتَ عليهما فَسَيَرْجِعَانِ
فإنكَ سوف تخسرُ في الرِّهانِ
سَنَغْلِبُ، وحدَنا، وَسَيَنْدَمَان
ِبها أَنَفٌ مِنَ الرََّجُلِ الجبانِ
مَنَايانا علي مَرِّ الزَّمَان
ِتزور القومَ من آنٍ لآنِ
وتختلطُ التعازي بالتهاني
مُشَبَّهَةُ القَسَاوَةِ بالحنانِ2
كثيراً وهو يُذكَرُ في الأغاني
مِنَ الأنقاضِ رأساً للجنان
ِتحددهم خيوط الأرجوانِ
سَماءُ اللهِ تَحمِلُها يدانِ
إلي بابِ الكريمِ المستعانِ
وطائرةٍ تُحَوِّم في المكانِ
لكَ الوَيْلاتُ ما لَكَ لا تراني
قَنَابِلَها فَتَغْرَقُ في الدُّخانِ
وَعَنْ شَرَفٍ جَدِيدٍ في الأَذَانِ
وخذلان الأقاصي والأداني
نُعانِيه كَأَنَّا لا نُعاني
وَحِيدٌ ما لَهُ في الدهر ثَانِ
وشَمْسٌ لا تَفِرُّ مِنَ البَنَان
ِيقولون في نشرة العاشرة
ْإن جيشاً يحاصر غزة والقاهرةْ
يقولون طائرة قصفت منزلاً
وسط منطقة عامرةْ
فأضيف أنا
لن يمر زمان طويل علي الحاضرين
ْلكي يَرَوُا المسلمين وأهل الكرامة من كل دين
ْيعيدون عيسي المسيح إلي الناصرةْ
والنبي إلي القدس، يهدي البراق فواكه من زرعنا
ويطوقه بدمشقٍ من الياسمين
ْيقولون جيش يهاجم غزة من محورين
ْيقولون تجري المعارك بين رضيع ودبابتينْ
فأقول أناسوف تجري المعارك في كل صدر وفي كل عين
ْوقد تقصف المدفعية في وجه ربك ما تدعي من كذبْ
ويقول العدو لنا فليكن ما يكون
ْفنقول له، فليكن ما يجبْ
بياناتنا العسكرية مكتوبة في الجبين
ْلم تكن حكمة أيها الموت أن تقترب
ْلم تكن حكمة أن تحاصرنا كل هذي السنين
ْلم تكن حكمة أن ترابط بالقرب منا إلي هذه الدرجةْ
قد رأيناك حتي حفظنا ملامح وجهكَ
عاداتِ أكلكَ
أوقاتَ نومكَ
حالتِك العصبية
َشهواتِ قلبكَ
حتي مواضع ضعفكَ،
نعرفهاأيها الموت فاحذرْ
ولا تطمئن لأنك أحصيتنا
نحن يا موت أكثر
ْونحن هنا
بعد ستين عاماً من الغزو
تبقي قناديلنا مسرجةْ
بعد ألفي سنةْ
من ذهاب المسيح إلي الثالث الابتدائي في أرضنا
قد عرفناك يا موت معرفة تتعبُكْ
أيها الموت نيتنا معلنة
إننا نغلبُكْ
وإن قتلونا هنا أجمعين
ْأيها الموت خف أنت
،نحن هنا، لم نعد خائفين.

Saturday, December 13, 2008

امريكا ومصر ... فرق بين الثرى والثريا


الاعتداء الجنسي على المتهمين
محمود سلطان : بتاريخ 12 - 12 - 2008
في الخامس عشر من أكتوبر الماضي، اعتقلت الشرطة الأمريكية الشاب الأمريكي "مايكل مينيو" البالغ من العمر 24 عاما.الشاب الذي يعمل في "متجر للوشم"، قال : إن عدة ضباط شرطة يرتدون الزي الرسمي اقتربوا منه في بداية فترة ما بعد الظهر يوم 15 من أكتوبر بالقرب من "بروسبكت بارك" في "بروكلين" للاشتباه في أنه يدخن الماريوانا.. وأن الضباط تبعوه إلى محطة قريبة لقطار الأنفاق حيث طرحوه أرضا وقيدوا يديه بالأغلال.. وأضاف "مينيو" أنه صرخ من الألم عندما دفع شيء ما - قال محاميه لاحقا إنه هراوة - بالقوة في مؤخرتهبعد أقل من شهرين ، في يوم 9 ديسمبر الجاري تلقى ضابط الشرطة الأمريكي المتهم بالاعتداء الجنسي على "مينيو" أمرا بتسليم نفسه للشرطة، من أجل اتخاذ إجراءات إقامة الدعوى وتوجيه الاتهام.مكتب مدعي العام "بروكلن تشارلز هاينز"، أعلن يوم الثلاثاء الماضي، أن ضابط الشرطة المتهم قد يتعرض للسجن لمدة 25 عاما يعني "تأبيدة"الحادث أثار ضجة كبرى واستفز الرأي العام، الذي أدان "وحشية الشرطة"، وأعاد للأذهان أزمة "ابنير لويما" ـ 30 عاما ـ المهاجر من "هايتي" الذي تعرض للاعتداء الجنسي من قبل ضابط بعصا مقشة في مركز بروكلين للشرطة في عام 1997، حيث عاقبت المحكمة ضابط الشرطة المتهم " جاستين فولبي" بالسجن لمدة 30 عاما!كانت أكثر التعليقات الصحفية ثراء في دلالتها، تلك التي نسبت إلى مسئول قضائي أمريكي كبير، والتي قال فيها:"إنني مندهش لان تتكرر هذه الحادثة بعد 11 سنة".. ما يعني أن في الفترة ما بين عام 1997 إلى عام 2008، لم تسجل أية حادثة اعتداء جنسي من قبل الشرطة على معتقل أو متهم أو سجين جنائي داخل مقار الأمن الأمريكية، إلا الحادثة الأخيرة فقط!والحال أن عقوبة الاعتداء الجنسي على المتهمين أو على من هم قيد الاعتقال والتحقيق، في القانون الأمريكي، هي عقوبة تليق بحجم الجريمة، إذ تعادل ـ عندنا ـ عقوبة القتل العمد أو الاتجار في المخدرات وكل ما يندرج تحت مسمى جرائم "الحرابة"، إذ تتراوح ما بين 25 إلى 30 عاما، يعني تأبيدة وضياع العمر كله خلف الأسوار وداخل الزنازين المظلمة والباردة.حادثة "بروكلين"، من شأنها أن تحيلنا ـ شئنا أم أبينا ـ إلى أن نعقد المقارنات ونطرح عشرات الأسئلة ونتحسر على حالنا مقارنة بحالهم، ونتوق إلى اليوم الذي يرق فيه قلب المشرع المصري، ويسن من التشريعات ما تعيد للمواطن المصري آدميته، وإحساسه بأنه ليس أقل من" مايكل مينيو" و" ابنير لويما" الأمريكيين

Friday, December 5, 2008

من اوباما الى العرب لأحمد مطر



لافتة ..
للشاعر أحمد مطر ..
أحمد مطر

الشاعر أحمد مطرمِنْ أوباما
..لِجَميعِ الأعرابِ شُعوبًا أو حُكّامًا:
قَرْعُ طَناجِرِكُمْ في بابي
أرهَقَني وَأطارَ صَوابي.
.(افعَلْ هذا يا أوباما.
.اترُكْ هذا يا أوباما
أمطِرْنا بَرْدًا وسَلاما
يا أوباما
.وَفِّرْ للِعُريانِ حِزاما
!يا أوباما.
خَصِّصْ للِطّاسَةِ حَمّاما
!يا أوباما
.فَصِّلْ للِنَملَةِ بيجاما
!يا أوباما)
..قَرقَعَة تَعلِكُ أحلاماً
وَتَقيء صَداها أوهَامَا
وَسُعارُ الضَّجّةِ مِن حَوْلي
لا يَخبو حتّى يتنامى
.وَأنا رَجْلٌ عِندي شُغْلٌ
أكثَرُ مِن وَقتِ بَطالَتكُمْ
أطوَلُ مِن حُكْمِ جَلالَتِكُمْ
فَدَعوني أُنذركُمْ بَدءًا
كَي أحظى بالعُذْر ختاما:
لَستُ بِخادمِ مَن خَلَّفَكُمْ
لأُسِاطَ قُعودًا وَقياما
.لَستُ أخاكُمْ حَتّى أُهْجى
إن أنَا لَمْ أصِلِ الأرحاما
.لَستُ أباكُمْ حَتّى أُرجى
لأكِونَ عَلَيْكُمْ قَوّاما
.وَعُروبَتُكُمْ لَمْ تَختَرْني
وَأنا ما اختَرتُ الإسلاما!
فَدَعوا غَيري يَتَبَنّاكُمْ
أو ظَلُّوا أبَداً أيتاما
!أنَا أُمثولَةُ شَعْبٍ يأبى
أن يَحكُمَهُ أحَدّ غَصبْا.
.ونِظامٍ يَحتَرِمُ الشَّعبا
.وَأنا لَهُما لا غَيرِهِما
سأُقَطِّرُ قَلبي أنغاما
حَتّى لَو نَزَلَتْ أنغامي
فَوقَ مَسامِعِكُمْ.. ألغاما!فامتَثِلوا.
. نُظُمًا وَشُعوبًا
وَاتَّخِذوا مَثَلي إلهاما
.أمّا إن شِئتُمْ أن تَبقوا
في هذي الدُّنيا أنعاما
تَتَسوَّلُ أمْنًا وَطَعاما
فَأُصارِحُكُمْ.. أنّي رَجُلٌ
في كُلِّ مَحَطّاتِ حَياتي
لَمْ أُدخِلْ ضِمْنَ حِساباتي
أن أرعى، يوماً، أغناما..

Saturday, November 22, 2008

لماذا تغيرت أخلاق المصريين ؟ بقلم علاء الأسواني


«لماذا تغيرت أخلاق المصريين..؟»

22/11/2008
علاء الأسواني
كنت أعمل طبيب أسنان في عيادتين متجاورتين في جنوب القاهرة، تفصل بينهما مسافة قصيرة أقطعها مشيا، كانت إحدي العيادتين في مستشفي خاص والأخري في مستشفي حكومي.. والحق أن الفارق بينهما كان كبيرا. فكنت أذهب إلي العيادة الخاصة فأجد كل شيء نظيفا ومنظما.. الأدوات الطبية كاملة ومعقمة جيدا والممرضة نشيطة مهذبة تنتظرني وقد أعدت قائمة بالمرضي..
أضف إلي ذلك أنني كنت أتقاضي هناك أجرا معقولا يكافئ ما أبذله من جهد. وعلي العكس من ذلك كان الوضع في المستشفي الحكومي.. فالمكان قذر مهمل والأدوات ناقصة والأمر يستغرق شهورا طويلا وموافقات معقدة للحصول علي أدوات جديدة.. والأجهزة كلها قديمة الطراز كثيرة الأعطال، بما في ذلك جهاز التعقيم وجهاز الأشعة مما يجعل عمل الطبيب معاناة حقيقية.. والممرضة وقحة وكسولة تسيء معاملة المرضي وتتحين أي فرصة للهروب من العمل.. أما مدير المستشفي فكان عضوا في الحزب الوطني..لا يهمه إلا تلميع صورته في وسائل الإعلام وإرضاء رؤسائه في الحزب والوزارة وتملقهم باستمرار حتي يضمن الترقي في المناصب.. بخلاف شائعات قوية كانت تتردد عن علاقته الخاصة بإحدي الممرضات التي تحولت بالتالي إلي صاحبة نفوذ تتحكم في مجريات الأمور في المستشفي.. وبالطبع كنت أقبض هناك أجرا هزيلا وغير عادل إطلاقا.. ظللت أتردد علي العيادتين ثلاث مرات أسبوعيا، أبدأ بالمستشفي الحكومي ثم أذهب بعد ذلك إلي المستشفي الخاص.. وشيئا فشيئا بدأت ألاحظ أنني ما إن أدخل إلي المستشفي العام حتي تنتابني حالة من الضيق والتبرم.. حتي إنني كنت أتمني في نفسي أن أذهب فلا أجد مريضا في انتظاري أو أن أجد ماكينة الأسنان معطلة فلا أعمل.. بينما، علي العكس، ما إن أدخل إلي المستشفي الخاص حتي أحس بالراحة وتنتابني الحماسة، فأنهمك في عملي محاولا أن أقدم أفضل ما لدي من علم ومجهود في علاج المرضي الذين كنت أعاملهم جميعا بهدوء ورحابة صدر.. والحق أنني بدأت أقلق من اختلاف الحالة النفسية التي تنتابني في العيادتين.. حتي ضبطت نفسي ذات مرة في المستشفي العام وأنا أسيء معاملة أحد المرضي.. عندئذ توقفت لمحاسبة نفسي وانتابني إحساس ثقيل من تأنيب الضمير. وفي اليوم التالي أرسلت استقالتي إلي مدير المستشفي العام وانقطعت عن العمل فيه ..لكنني تأملت ما حدث وسألت نفسي: ما الذي يدفع شخصا يؤدي نفس العمل في مكانين إلي التصرف بطريقتين متناقضتين تماما.؟. الإجابة كلمة واحدة: الإدارة.. إذا انصلح نظام الإدارة فإنه يخرج من الناس أفضل ما فيهم وإذا فسد أخرج منهم أسوأ ما فيهم.. وهذه القاعدة يمتد نطاقها ليشمل البلد بأسره.. فالإدارة في أي بلد موكولة للنظام السياسي.. فإذا كان النظام صالحا انصلح سلوك الناس وإذا كان فاسدا أدي إلي إفسادهم. وهذا للأسف ما حدث في مصر ...فقد اشتهر المصريون عبر تاريخهم بالكثير من الصفات الأخلاقية الجيدة.. ولا أبالغ إذا قلت إن الذكاء وخفة الظل والتسامح والطيبة والكرم والشهامة.. كلها صفات تميز بها المصريون ربما أكثر من شعوب أخري كثيرة.. لكننا نري الآن في المجتمع المصري كيف تتواري الصفات الجيدة في أحيان كثيرة لتترك مكانها لصفات أخري سيئة ..إن التدهور الأخلاقي في مصر قد أصبح ظاهرة استوقفت الكتاب وعلماء الاجتماع.. وصار بعضهم يلقي باللوم فيها علي المصريين أنفسهم.. وأنا أختلف مع هذا الرأي.. فالنظام الذي يحكم مصر منذ ثلاثين عاما فاسد وظالم بطريقة غير مسبوقة في تاريخنا الحديث.. وقد أدي ذلك إلي فقدان المصريين إلي أي إحساس بالعدالة. فالمصريون لا يتوقعون غالبا أن يعاملوا بعدالة في حياتهم اليومية، ولا يتوقعون غالبا أن يحصلوا علي حقوقهم بمجرد مطالبتهم بها، وربما لا يحصلون عليها أبدا، والمصريون لا يتوقعون أن تعاملهم الدولة بصدق وأمانة ولا أن تهتم بكرامتهم وسلامتهم. وقد تعلموا بخبرتهم المريرة أن الذين يحكمون مصر يديرونها لحسابهم وأولادهم وأتباعهم وليس لمصلحة المواطنين. المصريون فقدوا ثقتهم بالقانون نفسه لأنهم يعيشون الظلم وازدواج المعايير كل يوم.. بدءا من الضرائب التي يتم تحصيلها بالكامل من موظفي الحكومة الفقراء بينما يتهرب منها كبار الأثرياء.. مرورا بملايين الشباب الذين يعانون الفقر والبطالة لدرجة الانتحار أو الهروب في مراكب الموت، فلا تعبأ بهم الدولة بينما تسهل قروضا بالملايين للمقربين من الحكم وتهدي إليهم آلاف الأفدنة من أرض الدولة كهدية مجانية ليستثمروها فتدر عليهم الثروات الخرافية.. ونهاية بضابط الشرطة الذي يعتدي كل يوم علي كرامة المواطنين وإنسانيتهم وأعراضهم فلا يعاقب علي أفعاله وقد يكافأ عليها وبالمقابل تتدخل الدولة علي أعلي مستوي لحماية الكبار الذين تسببوا في قتل المصريين وإصابتهم بالأمراض.. هذا الفقدان للإحساس بالعدالة يملأ نفوس المصريين بالمرارة والكراهية ويؤدي إلي نتيجة خطيرة في أذهانهم، وهي الفصل التام بين الأسباب والنتائج ..فلم يعد الاجتهاد في التعليم يؤدي بالضرورة إلي الحصول علي وظيفة جيدة.. ولم يعد الاجتهاد في العمل يؤدي بالضرورة إلي الترقي.. ولم يعد العمل الجاد الدءوب بالضرورة مفتاحا للثروة ..ولم يعد الصدق والأمانة يؤديان بالضرورة إلي احترام المجتمع.. ولا الكذب والغش يؤديان بالضرورة إلي احتقار الناس أو عقاب القانون ..هذا الخلل الخطير في منظومة القيم أدي بالمصريين إلي نوع من السلوك العشوائي العدواني، غير الملتزم بضوابط أخلاقية ..صار المصريون يتدافعون إلي تحقيق مصالحهم بأي طريقة وأي ثمن ومهما أدي بهم ذلك إلي مخالفة ضمائرهم والاعتداء علي حقوق الآخرين. فالطالب يريد أن ينجح ولو بالغش، وصاحب المستشفي يريد أن يحصل علي الأتعاب من أهل المريض حتي ولو مات من سوء العلاج والإهمال. والبائع يريد أن يكسب حتي ولو باع للناس بضاعة مغشوشة.. حتي قيادة السيارات التي كنا نتعلمها علي أنها فن وذوق وأخلاق.. تحولت إلي نوع من الصراع اليومي الهمجي الشرس الذي لا يهتم فيه أحد بما يسببه من أذي للآخرين.. وقد تعقدت المشكلة عندما اعتنق قطاع كبير من المصريين فهما شكليا وسطحيا للدين، انتقل إلينا كالعدوي الخبيثة من مجتمعات بدوية صحراوية متخلفة بكثير عن مصر في التمدن والحضارة.. وهكذا أصبح كثير من المصريين يستعملون التدين الشكلي غطاء لسلوكهم السيئ.. فهم من أجل تحقيق مصالحهم يتنازلون عن مباديء الدين الحقيقية ويعتدون علي حقوق الناس وفي نفس الوقت يغطون هذا الانحراف بالتشدد في مظاهر الدين وأداء العبادات.. إن المجتمعات كائنات حية، تصح وتمرض مثل أي كائن حي.. والتدهور الأخلاقي الذي نعانيه الآن ليس إلا أحد الأعراض الخطيرة لمرض الاستبداد.. وقد تعلمنا في الطب أنه يستحيل علاج الأعراض قبل أن نعالج المرض ونزيل أسبابه.. لا يمكن أن يستعيد المصريون أخلاقهم الطيبة إلا إذا استعادوا إحساسهم بالعدل.. ولن يتحقق العدل أبدا وهذا النظام السياسي الفاسد جاثم علي صدور المصريين بالقوة، يقمعهم ويزور إرادتهم وينهب حقوقهم ويتسبب في إفقارهم وقتلهم .لن يتحقق العدل إلا بتطبيق ديمقراطية حقيقية.... عندئذ سيستعيد المجتمع صحته ويستعيد المصريون إيمانهم بالقانون والأخلاق..الديمقراطية هي الحل
..