الإجابة التقليدية على هذا السؤال تقول :
ان النساء برغم كونهن ضحايا التحرش الجنسي إلا أنهن أنفسهن المتسببات في حدوثه لأنهن يرتدين الملابس الضيقة أو العارية التي تثير شهوة الشباب مما يدفعهم إلى التحرش بهن وهذا الكلام يحمل في الواقع مغالطة كبرى ومنطقا معوجا وكأن المرأة يجب أن تتحمل الذنب دائما حتى عن الأخطاء والجرائم التي ترتكب في حقها أو كأن هؤلاء الشباب مجرد حيوانات ليس بمقدورهم التحكم في غرائزهم فما ان يلمحوا إمرأة في ثوب ضيق حتى يثبوا عليها وينتهكوها فورا .
على أن هذا المنطق الظالم الذي يلوم الضحية قد تهاوى مؤخرا وتبين أنه عار تماما عن الصحة فقد أثبتت الدراسات أن أكثر من 75% من السيدات اللاتي تعرضن للتحرش الجنسي في مصر من المحجبات بل ان الفيلم المتاح على الانترنت الذي يصور واقعة التحرش الجماعي التي حدثت في وسط القاهرة منذ عامين يكشف لنا كيف نهش المتحرشون عرض فتاة كانت ترتدي الإسدال الذي يغطي جسدها كله .
أضف إلى ذلك أن المجتمع المصري ظل حتى نهاية السبعينيات يتقبل اجتماعيا فكرة ان ترتدي المرأة مايوها يكشف عن أجزاء من جسدها أمام الرجال وكانت الشواطئ وحمامات السباحة في الأندية كلها تشهد آنسات وسيدات ينزلن إلى المياه بالمايوهات دون أن يتحرش بهن أحد بل ان الموضات التي انتشرت في تلك الفترة مثل الميني جيب والميكرو جيب كانت تكشف عن ساقي المرأة وكانت نساء كثيرات في مصر ترتدين تلك الملابس في أماكن العمل والدراسة وفي المواصلات العامة وكانت الملابس القصيرة آنذاك تثير حفيظة المحافظين من الناس لكنها لا تدفعهم ابدا الى التحرش بالنساء
المؤكد اذا أن التحرش الجنسي مرض وافد على المصريين ولم يكن موجودا كظاهرة في مصر قبل ثلاثين عاما كما أن الحافز إلى التحرش الجنسي ابعد بكثير من الملابس الضيقة او العارية .
ان ظاهرة تحرش المصريين بالنساء التي استفحلت في الآونة الأخيرة تحمل بلاشك أبعادا اجتماعية واقتصادية عديدة فهناك الكبت الجنسي وتاخر سن الزواج والبطالة والفقر وانتشار العشوائيات والإحباط والفراغ والإحساس بانعدام العدالة كلهذا في رايي عواملمهمة لكنها مساعدة .
أما السبب الأصيل في رأيي لأنتشار التحرش الجنسي فهو تغير نظرتنا إلى المرأة .
فعبر التاريخ الانساني كانت هناك طريقتان للتفكير في المراة : الطريقة المتحضرة تعتبر المراة كائنا انسانيا حدث أنه أنثى كما أن الرجل كائن انساني حدث أنه ذكر وهذه النظرة المتحرة تعترف للمراة بكلطاقاتها وقدراتها الإنسانية ولا تختصرها في كونها أنثىوهي بالتالي تتيح مجالاواسعا للتعامل الانساني المحترم فطبقا لهذه النظرة سوف يتعامل الرجل مع زميلته او تلميذته او استاذته في الجامعة باعتبارها انسانا وليست مجرد انثى يشتهي مضاجعتها ،،،
أما الطريقة المتخلفة لرؤية المراة فهي تختصرها في كونها جسدا يشتهيه الرجل ةهي تعتبر ان المراة اولا واخيرا انثى اداة متعة ووسيلة غواية وماكينة لإنجاب الاطفال واي نشاط للمراة خارج وظائف الانثى يظل فرعيا وهامشيا .
والحق ان مجتمعنا المصري منذ القرن التاسع عشر قد قطع شوطا كبيرا ومبكرافي التحديث وبالتالي تمتع المصريون مبكرا جدا بنظرة متحضرة تحترم انسانية المراة وقد كانت المراة المصرية رائدة النساء في العالم العربي كانت أول من تعلمت واول من توظفت واول من قادت السيارة والطائرة واول من دخلت البرلمان واول من شغلت منصب وزيرة بين نساء العرب وقد سادت في مصر نظرة متحضرة تحترم آدمية المراة حتى أوائل الثمانينات حين تعرضت مصر لموجة عاتية من الفكر السلفي الوهابي الذي يقدم رؤية مختلفة تماما للمراة فالمراة في نظر السلفيين جسد اولا واخيرا واكثر ما يشغلهم هو تغطية هذا الجسد " منذ أيام دعا شيخ سعودي بارز النساء المسلمات الى ارتداء النقاب بعين واحدة درءا للفتنة وحماية للأخلاق " هذه النظرة التي تلخص المراة في كونها جسدا تجعل منها تلقائيا غنيمة جنسية محتملة في أي وقت وهي تعتبر المراة كائنا بلا ارادة اخلاقية تقريبا فلا بد أن يصحبها دائما رجل من اهلها ليحميها من الآخرين ومن نفسها ايضا وبالتالي فإن اعتبار المراة مجرد جسد يدفع باتجاه استهدافها في اول فرصة يأمن فيها المتحرش من العقاب .
ان النظرة المتخلفة للمراة المنتشرة الآن في مصر تم استيرادها للاسف من مجتمعات بدوية صحراوية كانت مصر متقدمة عنها بشوط كبير في كل المجالات الإنسانية وبدلا من ان نساعد هذه المجتمعات على التقدم الإنساني اصابتنا عدوى افكارها المتخلفة .
إن الشباب الذين يخرجون في الاعياد ليتحرشوا بالنساء في الشوارع يطبقون ببساطة ما تعلموه عن المراة فإذا كانت المرأة مجرد جسد وإذا كانت لا تمثل إلا الشهوة واللذة واذا كانت مصدر الغواية فلماذا لا ينتهكها كل من لا يامن العقاب ؟؟
وقد التقت جريدة المصري اليوم بعض المتحرشين فاكدوا جميعا ان اي امراة تنزل للنزهة يوم العيد تريد ان يتحرش الشباب بها .
وهذا المنطق مطابق تماما للنظرة السلفية المتخلفة للمراة فالمراة تحمل الغواية في دمها وان تظاهرت بالعكس وعلى الرجل ان يحرس حريمه بمنتهى الحذر اما المراة التي تخرج وحدها في يوم مزدحم فليست الا ساقطة تريد من الشباب ان يتحرشوا بها جنسيا .
لقد استبدلنا بنظرتنا المتحضرة للمراة نظرة متخلفة تتستر بالدين الذي هو في الواقع بريء منها .
ولقد بدانا ندفع ثمنا باهظا لهذه الافكار المتخلفة قبل ان ندعو الشباب الى عدم التحرش بالنساء علينا ان نعلمهم اولا كيف يحترمون المراة ؟
علينا ان نكف عن مناقشة ماذا ترتدي المراة وماذا تخلع ؟ وإذا كان يجب أن تغطي أذنيها او تترك خصلات شعرها متدلية علينا ان نكف عن هذه النظرة المتخلفة المهووسة في الواقع بجسد المراة وان دعت الى تغطيته وتظاهرت بالتقوى علينا ان نستعيد افكارنا المصرية المتحضرة وان نتذكر ان المراة هي الام او الاخت او الإبنة وهي كائن مساو للرجل تماما في القدرات والحقوق والواجبات علينا ان نبرزر لهذا الشباب نماذج لنجاح المراة المهني وتميزها العقلي يجب ان يتعرفوا على المراة الطبيبة والمهندسة والقاضية وعندئذ يدركون ان المراة لديها امكانات انسانية حقيقية اهم بكثير من جسدها وعندئذ فقط سيكفون عن التحرش بالنساء في الشوارع.